عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2006, 09:21 PM   #6
العــــــمدهـ
المـديـــر العــام
عمـــدة المـنتـدي
عضو مؤسس
 
الصورة الرمزية العــــــمدهـ
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
الدولة: Wolverhampton
المشاركات: 2,001
معدل تقييم المستوى: 24
العــــــمدهـ رائعالعــــــمدهـ رائع
افتراضي مشاركة: رحلتي إلى النور

الحلقة الرابعة

استمرت رحلة العذاب تلك لأكثر من ثمان ساعات
تخللها مواقف مليئة بالتشاحن .. والسباب وتبادل النظرات الحادة!!
ولكن على العموم وصلنا لأبها.. بحمد الله سالمين..
ومن محطة الأجرة هناك توجهت لفندق أظن اسمه شمسان!!
أردت أن اتصل على البيت لأشرح لهم مقصدي مما فعلت..
وحتى لا يقوموا بالبحث عني فأنا قد خرجت من البيت بطوع أمري!!
حينما رن الهاتف كان المتحدث على الطرف الآخر هو الوالد..
كان الغضب قد أخذ منه مأخذا مهولا فقد شكل تصرفي خروجا صارخا على التقاليد والعادات الاجتماعية..
وقام الوالد بتوعدي وتهديدي بكل ما يخطر على البال..
وأنا لا ألومه رحمه الله في ردة فعله فقد كان تصرفي غير مقبول..
إنني أحكي تلك المواقف دون محاولة تبريرها أو الدفاع عن نفسي
فقد انقضت وولت تلك الأيام بحلوها ومرها .. والله الهادي..
حينما وضعت متاعي في الفندق وارتحت قليلا..
حاولت أن أتصل بعدد من أصدقائي وأصحابي ..
ولكنني لم أجرؤ أن أشرح لهم أين أنا وما هو وضعي..
فقد خفت أن يضعفوا أمام والدي وإلحاحه فيدلوه على مكاني..
أذكر أنني اتصلت على احدهم وخنقتني العبرة حينما سمعت صوته..
أغلقت السماعة دون أن أكمل حديثي معه..
كانت مشاعري متضاربة بين الخوف والرهبة والشعور بالضياع واليأس..
حاولت أن أنام في تلك الليلة ولكن بلا جدوى ..
كنت ممددا على السرير وانظر في السقف وتصيبني موجات من البكاء..
كانت تدور في مخيلتي عشرات الأفكار
ولكن مع توارد الخواطر أصطدم بالواقع المرير الذي أنا فيه..
ذهبت في اليوم التالي لجامع الشيخ عائض القرني..
حضرت درسه وكان في صحيح البخاري..
كان الحضور متواضعا للغاية..
هممت أن اطلب من الشيخ عائض جلسة خاصة لأشرح له وضعي..
ولكنني استحييت وجبنت..!!
سبحان الله أقطع مئات الأميال لأجله ثم حينما أقف أمامه أعجز عن حديثه..
لقد كان انفصاما في الشخصية وعجزا غير مبرر..
ولكن يظهر لي أن خوفي وارتباكي سبب لي صدمة تجعلني أفتقر للتعقل في القرارات !!
زرت المركز الصيفي في معهد أبها العلمي..
كان أغلب المشاركين في المركز ذوو أسنان تقل عني بكثير ..
كان استقبال المشرفين لي ومقابلتهم معي باردة للغاية..
لقد كنت ابحث عن شخص يؤويني من الضياع..
لقد كنت أريد شخصا عاقلا رشيدا..
أجلس بين يديه فأحدثه بما يعتلج في صدري من آلام وهموم جلبتها لنفسي بيدي!!
ولكن مشيئة الله تعالى وقدره جعلت هذا اللقاء متأخرا جدا ومع شخصية فذة!!
حينما شعرت أنني غير مرحب بي غادرت المركز ولم اعد إليه أبدا..
مكثت أياما أهيم في الأسواق وأتمشى في أماكن النزهة لأقضي الوقت..
تساءلت مرارا : هل هذا ما جئت من أجله؟؟
ألم أحضر لطلب العلم..
فكرت في النفقة فهي لا شك يوما ستنضب وبعدها ماذا سأفعل؟؟
لم أحاول الاتصال بالعائلة طوال تلك الفترة..
رأيت أن بقائي في أبها مضيعة للوقت والمال..
سمعت من قبل بأن الرياض هي مأوى أفئدة طلاب العلم.. من طلاب الجامعات والمعاهد فهي المركز الأول للصحوة الإسلامية..
وفيها من الدعاة والعلماء ما يعجز حصره..
ولا شك فهي أرجى من أبها في البحث عما جئت لأجله..
ويكفي هذه المدينة العريقة شرفا في ذلك الوقت ..
وجود سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها
وهكذا تغيرت الوجهة ولتكن من أقصى الجنوب إلى وسط المملكة..
توجهت لمكتب الخطوط واشتريت التذكرة إلى الرياض..
في جواري في الطائرة كان شخص ملتح عليه سيما الخير..
عرف نفسه باسم علي السلطان وهو من سكان القصيم..
تحدثت مع الأستاذ علي عن أمور كثيرة ..
وعرفت منه أنه من سكان عنيزة وهو معلم في المعهد العلمي ..
وهو أحد الطلاب في حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه العامرة بالطلاب والدارسين من كل بقاع العالم..!!
كان الحديث عابرا ولكنه أعطاني فكرة شاملة عن المنطقة..
وصلت للرياض ..
لقد كانت الرياض بالنسبة لي وأنا ابن المدينة الصغيرة كانت ذا شأن كبير في النفس..
فمبانيها الكبيرة وشوارعها الفسيحة ومساحتها الشاسعة تأخذ بالألباب..
نزلت في فندق البطحا وهو مكان أعرفه من قبل فقد رافقت الوالد له مرارا..
كان سعر الإقامة معقولا وبالجملة فقد كنت مقلالا في نفقتي..
مكثت عندهم في الفندق حوالي الشهر..
وما زال الاتصال حتى ذلك الحين مع العائلة مقطوعا ..
ومرة أخرى أعجز عن أن أتصرف تصرفا راشدا..
فأنا جئت من الأصل من أجل طلب العلم !!
ولكن يظهر أن حياة الدعة والراحة التي كنت فيها جعلتني انصرف ولو لفترة عن المقصود!!
لم يكن هناك شخص أو لم أبحث عن شخص يرشدني ..
كنت أقضي وقتي كله في الغرفة في الفندق أو في صالون الرياضة والمسبح..
لقد كنت صيدا يسيرا للضياع والمفسدين ولكن المولى جلت قدرته حماني..
ذات مرة كنت أمارس السباحة في المسبح..
فجاءني شاب نحيل من أهل البادية..
قال هل الماء عميق ؟؟
قلت لا .. وحسبته يعرف السباحة..!!
قفز من فوره في وسط الماء..
انغمس فيه ثم صعد..
ولكنه صرخ واستنجد بي لكي أخرجه فهو لا يعرف السباحة!!
التفت حولي لأنادي موظفي المسبح ولكن لا أحد..
أخذ الرجل يضرب في الماء ويخفق فيه ويشرب منه.. حتى كاد أن يهلك..
كنت مبتدئا في السباحة ولكن أين المفر..
ما إن اقتربت منه حتى تلني بشدة وسحبني ولطمني على وجهي!!
ثم غمسني بشدة في الماء وتخطاني ووضع قدمه على رأسي حتى خرج من الماء..
أما أنا فقد كدت أهلك حينها!!
ولم أحاول أن أنقذ غريقا بعدها أبدا...
لم يكن ذلك هو الموقف السيئ الوحيد..
ذات مرة حضر للمسبح شاب عليه سيما الخير ..
وكان برفقته عدد من الشباب الصغار..
لا اذكر مالذي حصل بيني وبينه لكن يبدو أن الرجل مريض مرضا نفسيا..
وتصيبه حالات من الهيجان فيضرب من حوله دون شعور..
وهذا ما حدث معي فقد هاج علي كالثور وضربني على وجهي ضربات كادت تقتلني.. وتركت بصمات على وجهي بقيت حتى حين...
لم يكن أحد ليجرأ على الدفاع عني فقد كان رجلا مفتولا والله حسيبه..
رجعت يومها لغرفتي في الفندق وهذه المرة موسوم بعلامات بارزة..!!
اتصل علي موظف الفندق وطلب مني الحساب..
نزلت إليه وسددت له مصاريف الأيام الماضية..
بقي في محفظة نقودي فقط مائة وخمسون ريالا...
وهو ما يغطي مصاريف يوم أو يومين!!!
العــــــمدهـ غير متصل   رد مع اقتباس